- هذا الموضوع فارغ.
- الكاتبالمشاركات
- مارس 24, 2021 الساعة 2:51 م #14852admin adminمدير عام
العصيان، اي الخروج عن طاعة القوانين والسلطات، ظاهرة معروفة في المجتمعات البشرية، ولكن “العصيان المدني” هو الظاهرة الجديدة نسبيا. وكان اول من استعمل مصطلح “العصيا المدني” هو الكاتب الامريكي هنري ديفر ثوراو في مقالته المعروفة ” العصيان المدني ” المنشورة في سنة 1849، بعد ان امتنع عن دفع ضرائب الحرب احتجاجا على العبودية والقمع والاضطهاد التي استعملتها الولايات المتحدة في حربها ضد المكسيك.
في كتابه ” نظرية في العدالة ” الذي يتفحص فيه دور العصيان المدني في نظام شبه عادل او تسود فيه العدالة الى حد كبير، يجيب جون راولز على سؤال حول دور العصيان المدني في المجتمعات الديموقراطية، فيقول انه ليس من الصعب ان تبرر العصيان المدني في نظام غير عادل لا يخضع لرأي الاغلبية. ولكن حين يكون النظام عادلا تبرز مشكلة في هذا النوع من التحرك، حين يصير من يقوم بالعصيان المدني اقلية في مجتمعه، وتغدو عملية العصيان المدني وكانها موجهة ضد رأي الاغلبية في المجتمع. وبالتالي فان اي عصيان مدني من هذا النوع تبدو وكأنها بادرة من الاقلية ربما لا يكون لها صدى الا بمقدار ما تعنيه للمواطن من شعور بالعدالة في مجتمعه. وفي النهاية فإن امر المشاركة في العصيان يعود الى الفرد نفسه، فكل شخص مسؤول عما يقوم به من انشطة في ضوء قناعاته وفهمه لمفهوم العصيان المدني. ويعرّف راولز العصيان بانه نشاط سياسي شعبي هدفه المباشر هو تغيير قانون جائر او قرار حكومي غير عادل. ويميز راولز بين نوعين من العصيان المدني، المباشر اي الذي يتم بواسطة عصيان القانون الذي يراد تغييره، والعصيان غير المباشر الذي يقام من اجل تغيير قانون ما بواسطة طرق مختلفة، وفي جميع الحالات تكون الطرق المستعملة غير عنفية وسلمية.
المطابقة مع الوضع اللبناني
في العصيان المدني الذي يقول المعارضون انهم يريدون الدعوة اليه في حال لم تستجب الحكومة الى مطالبهم، تتوفر بعض شروط العصيان المدني وتغيب شروط كثيرة. اما بالنسبة للشرط المتوفر فهو احقية الدعوة الى عصيان مدني، لكونه وسيلة تعبير ديموقراطية يريد من خلالها جماعة من المواطنين ان يعلنوا رفضهم لوضع ما او حالة او قانون او حكم جائر. ولكن العصيان المدني في لبنان سيقع في مطب العددية، اي اذا ما كانت الفئة التي تقوم به هي الفئة الغالبة من حيث العدد بين المواطنين، وتكون هي من اختارت الممثلين في السلطات والذين حادوا عن رغباتها. وفي المعنى العددي فأن المسألة تصبح شائكة على المستوى اللبناني، لان الاجتماع السياسي اللبناني هو اجتماع توافقي توزع السلطات فيه على الطوائف لا على الجماعة الاكثر عددا، ولا يعرف من يشكل الاكثرية في لبنان من حيث العدد الا بواسطة الاغلبية النيابية، التي يعطى لها حق تشكيل الحكومة وتعيين رئيسها وانتخاب رئيس للجمهورية، ومراقبة السلطة التنفيذية واصدار القوانين والتشريعات ومراقبة تنفيذ الدستور. اذا الاغلبية لبنانيا تحدد بالاغلبية النيابية التي تكون محور السلطات جميعها.
الشرط الثاني الذي لا يتحقق في مثال المعارضة اللبنانية هو “المدنية”. فشرط العصيان المدني الذي يدل عليه اسمه هو ان يكون من يقوم به من المدنيين غير المسلحين كما هي حالة “حزب الله”، وان لا يكون عنفيا، بل سلميا فقط حتى ينطبق عليه شرط العصيان المدني، ولكن تجربة الدعوة الى الاضراب العام التي قامت بها المعارضة في الثلاثاء الاسود والتي اجبر فيها المواطنون على المشاركة في الاضراب بعد اقفال الطرق بالسواتر الترابية واحراق الاطارات، هي مثال على لا سلمية دعوات التعبير عن الرأي على المستوى اللبناني.رأي المعارضة وتعليق
الاستاذ بسام الهاشم من “التيار الوطني الحر” اعتبر ان اللجوء الى العصيان المدني سيكون الوسيلة الاخيرة التي ستلجأ اليها المعارضة لتحقيق مطلبها بالمشاركة، بعدما لم يؤد الاعتصام الدائم الى تغيير ولا النزول الى الشارع في 23 كانون الثاني، وبعدما لم تنصاع الحكومة لرأي مليون ونصف من اللبنانيين. وامل السيد الهاشم ان لا نصل الى حالة العصيان المدني، لان اعقد الامور يمكن حلّها باللجوء الى الحوار الحقيقي الذي يهدف الى حل الازمة التي تمر بها البلاد. اما عن شكل العصيان اذا ما تم اللجوء اليه، فيقول السيد الهاشم انه سيهدف الى شل حركة الحكومة في ما بسياساتها المالية (التوقف عن دفع الضرائب) وشلّ العمل الاداري عبر توقف الموظفين عن العمل. وخيار العصيان المدني هو السبيل الاسلم الى تحقيق المطالب من دون تعريض المواطنين لخطر الاحتكاك في الشارع، برأي السيد بسام الهاشم.
المحامي زياد بارود يرى ان شرط تحقق العصيان المدني في كونه تحركا سلميا، فغاندي كان يقول انه على المشارك في العصيان المدني ان لا يكون “غاضبا”. وهو يرى انه بإمكان “حزب الله” الدعوة الى عصيان مدني اذا لم يستعمل سلاحه خلاله، ولم يجبر المواطنين على التقيد بالعصيان، واذا التزم بكون العصيان سلمي، لان ل”حزب الله” صفتين، صفة حربية تتعلق بالمقاومة وصفة سياسية. وبالنسبة للعصيان المدني الذي قد تدعو اليه المعارضة اللبنانية يقول المحامي بارود انه لا يمكن تصنيف نوعية تحرك المعارضة الا بعد حدوثه، فمثلا اذا تم إجبار الموظفين على عدم الذهاب الى اعمالهم لن يكون هذا التحرك عصيانا مدنيا، وسيؤدي هذا الى فشل التحرك، لان العصيان المدني يجب ان يكون خيارا جماعيا، واضح الاهداف، ويتحمل المشاركون فيه نتائج اعمالهم. اما بالنسبة للعصيان المدني كخيار ووسيلة للتغيير فيقول بارود انه يجب ان يكون الخيار الاخير بعد استنفاذ كل الخيارات وانه يجب تجنب اللجوء اليه الا على طريقة “اخر الدواء الكي”.الى ماذا سيؤدي العصيان؟
ان العصيان المدني ينجح في بلدان تكون فيها الديموقراطية حقيقية والشعب مصدر السلطات، اما في بلد كلبنان، يملك فيه الطرف الداعي الى العصيان سلاحا وعتادا- حتى لو كان لا يريد توجيهه الى الداخل اللبناني- سيؤدي (العصيان) الى فصل المناطق جغرافيا وسياسيا. وبالتأكيد فإن العصيان المدني سيفتح الاسئلة مشرعة على مواضيع من مثل الجيش اللبناني وقوى الامن وسائر المؤسسات العسكرية وعن مصيرها وعن قدرتها على تحمل انقسام المجتمع اللبناني والمحافظة على وحدتها في الوقت نفسه. وستؤدي مقاطعة الادارات الرسمية الى اقامة ادارات بديلة كما حدث ابان التقسيم الجغرافي والديموغرافي اثناء الحروب اللبنانية المتمادية. وكذلك سيؤدي الاستنكاف عن تأدية الضرائب للسلطات والوزارات التي تستحقها الى اقامة نظم جباية بديلة ترسيها الميليشيات وزعماؤها، اصحاب النفوذ في المناطق. ويدعو الى طرح اسئلة عن مسيرة الادارة اللبنانية وعملها، حتى لا يعتقد البعض ان العصيان المدني يفيدهم ويضر غيرهم، او العكس، كما يراد لفئة من اللبنانيين ان تعتقد، لان تعطيل الادارات سيكون ضرره على الجميع.
- الكاتبالمشاركات
- يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.