- هذا الموضوع فارغ.
- الكاتبالمشاركات
- ديسمبر 10, 2021 الساعة 3:10 م #16780admin adminمدير عام
بعدما كان رئيس الجمهورية يستأثر بمسألة تشكيل الحكومة وذلك قبل التعديلات الدستورية على خلاف ما اتُفق عليه في الميثاق الوطني ، فقد باتت مسألة تأليف الحكومة بعد التعديلات الدستورية عملية مشتركة تتم بالاتفاق بين الرئيس ورئيس مجلس الوزراء استناداً إلى أحكام الفقرة الرابعـة من المادة 53 من الدستور ، وبالتالي يكون التعديل الدستوري قد قنَّن العرف الدستوري الذي يعطي لهذه الشراكة الحق بأن تتجاوز المبادىء البرلمانية ، التي تقضي بأن يشكِّل الحكومة رئيس الوزراء المدعوم من الأغلبية البرلمانية ويقدمها إلى رئيس الجمهورية ، ويكون على هذا الأخير واجب إصدار مرسوم تأليفـها .
وإذا كان تفسير الفقرة الثانية من المادة 53 من الدستور كما رأينا ، يظهر بأن الرئيس ملزم بنتائج الاستشارات النيابية فيسمي الشخصية التي اختارتهـا الأغلبية النيابية ، فقد يتساءل البعض قائلاً كيف لا تملك هذه الشخصية الحرية المطلقة في تأليف الحكومة ، مع العلم أن رئيس الحكومة هو المسؤول عن سياستها أمام البرلمان (1) . وتناول هذه المسألة العديد من رجال القانون الدستوري ، حيث اعتبر بعضهم أن صيغة هذه الفقرة تشكل مشروع خلاف خطير بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في حال عدم توصلهمـا إلى اتفاق على تشكيل الحكومـة ، لأن الدستور لم ينص على آليـة لحسم هذا الخلاف الذي قد يؤدي استمراره إلى تعريض البلاد لأزمة حكم (2) أو لفراغ دستوري . وهذا ما حصل في لبنان أكثر من مرة بعد تعديلات الطائف لا سيما في الفترة التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري (3) .
لكننا نعتقد أن هذه المسألة بالتحديد مرتبطة بخصوصية النظام اللبناني ، حيث هدف المشرِّع الدستوري بعد التعديلات الدستورية إلى تأمين مشاركة الرئيس في صنع القرار السياسي كونه يمثل فئة أساسية من الفئات التي يتكوَّن منها المجتمع اللبناني ، فلم يعتمـد الدستور في كل القضايا على المبادىء البرلمانية الصرفة بل راعى الخصوصية اللبنانية ، وهنا يقتضي في هذا المجال التوفيق بين مسألة احترام المبادىء البرلمانية وبين الخصوصية اللبنانية .
وعندما ترسّخت مبادىء النظام البرلماني في بريطانيا تبعاً للتطورات الدستورية التاريخية ، المبنية على الأعـراف وعلى بعض الوثائق والشرع ترسّخ معها موضوع تأليف الحكومة بحيث يشكِّـل الحكومة رئيس الأغلبية النيابية أو زعيم الحزب الفائز . وفي النظام البرلماني الفرنسي لم يكن الأمر دائماً كذلك ، فقد أنيطت السلطة التنفيذية بالملك في الشرعة الدستورية الصادرة في العام 1814 وذلك أيام الملكية المطلقة وكذلك أيام ملكية يوليو في العام 1830 ، خلافاً لمبادىء النظام البرلماني ، كما أعطي رئيس الجمهورية حق تعيين وإقالة الوزراء بموجب المادة 64 من دستور عام 1848 . أما في دستور الجمهوريـة الثالثـة فرئيس الدولة لم يعد يسمـي ويقيـل الوزراء ، حيث طبّـق هذا الدستـور مبادىء النظام البرلماني ، واعتبر العميد« L. Duguit » أنه بقي للرئيس أن يسمي رئيس الوزراء وذلك للإبقاء على نوع من التوازن بين السلطتين ، على أن يحترم الرئيس إرادة الأغلبية البرلمانية في اختيار الوزراء ، حيث تعود هذه الصلاحية عملياً لرئيس الحكومة المكلَّف ، وأن هذا الحق مرتبط بمبدأ فصل السلطات ، وإذا لم يتقيد رئيس الجمهورية بهذا المبدأ فله أن يسمي رئيس حكومة غير حائز على تأييد الأغلبية النيابية ويشكل معه هذه الحكومة ، وعندها يكون الرئيس قد قرر المواجهة مع البرلمان.
أما « P. Lauvaux » فقد اعتبر أن دور رئيس الجمهورية في مسألتَي تسمية رئيس الحكومة وتشكيلها يتعاظم في حال تعدد الأحزاب ، وعدم وجود أغلبية برلمانية مرجحة . وفي حال عدم وجود أغلبية برلمانية يلعب الرئيس دوراً مهمـاً فيختار رئيس الحكومة الذي يشكّـل معه الحكومة التي تناسبه (5) . بينما يتقلص هذا الدور ويصبح محدوداً ، في حال وجود ثنائية حزبية ، وعند وجود أغلبية برلمانية مرجحة . كما يتعاظم دور الرئيس في كل مرة تمر البلاد بأزمة حكم ، وهذا يحصل عندما لا يتمكن الرئيس المكلّف من تشكيل الحكومة ، ففي بلجيكا يتدخل الملك كثيراً في هذا المجال ويكون له تأثيـر كبير ، وهذا ما حصل عندما تدخُّل الملك« Baudouin » لينقذ البلاد من أزمة حكومية نتجت من جراء إقرار قانـون يمنع العقاب على الإجهاض ، وامتنع عن المصادقة على هذا القانون وفرض تشكيلة حكومية في ظل انقسام حاد داخل البرلمان . كما كان للرئيس الإيطالي « Sclafaro » التأثير المباشر عندما دعم كُلاًّ من حكومتَي « Amato » و« Ciampi » اللتين أسهم في تأليفهما ، لكنه لم يتمكن من لعب هذا الدور بعد الانتخابات التي جرت في العام 1994 مع رئيس الحكومة الجديدة السيد« Berlusconi » ، ثم عاد وتدخل بعد انتخابات عام 1996 وأسهم في تشكيل حكومتَي كل من « Dini » و » « Prodi (6) .
لقد فصل بعضهم ما بين مسألة تسمية رئيس الحكومة وبين تشكيل الحكومة ، فاعتبروا أن مسألة تأليف الحكومة تتأثر بشخص الرئيس المكلّف ، لكن دور هذا الأخير لا يحجب بالمطلق دور الأحزاب السياسية في هذا المجال ، وبناءً عليه ، تكون الأدوار موزعة في تأليف الحكومة على ثلاث جهات وهي : رئيس الدولة ، والرئيس المكلَّف ، والأحزاب السياسية ؛ وأن دور رئيس الدولة يقوى ويضعف تبعاً لاستمرار وجود الأغلبية التي انتخبته في البرلمان (7) .
هكذا يمكننا القول إن دور رئيس الجمهورية في تأليف الحكومة في لبنان بعد التعديلات الدستورية ليس محدوداً كما أنه ليس مطلقاً ، ودوره يشبه في هذا المجال دور الرئيس الفرنسي في ظل الجمهورية الخامسة ، فعلى الرغم من أن نص المادة الثامنـة من الفصل الثاني من دستور عام 1958 يعطـي الرئيس حـق تسميـة الوزراء بنـاءً على اقتـراح رئيس الحكومـة ، فقـد كـان الرئيس » « De Gaulle يتدخل كثيراً في فرض وزراء على كل تشكيلة حكومية لا سيما بعدما أصرّ على استبدال « M. Giscard d’Estaing » بالسيد« M. Debré » وكذلك فعل خلفه ، الأمر الذي عزَّز دور الرئيس في هذا المجال ، لكن دوره يبقى قوياً فقط كلما كان لا يزال حائزاً على تأييد الأغلبية البرلمانية ، أو عندما يكون الحزب الذي ينتمي إليه لا يزال مسيطراً على الأغلبية البرلمانية ، في حين يصبح دوره محدوداً عندما يفقد الرئيس تأييد هذه الأغلبية ويدخل في مرحلة التعايش « Cohabitation » مع رئيس الحكومة .
إن ما يحصل في فرنسا في ظل دستور 1958 في مجال تأليف الحكومة ( وعلى الرغم من اختلاف هذا النظام عن النظام البرلماني الكلاسيكي الذي يطبقه الدستور اللبناني ) فهو يشبه من حيث الواقع ما هو معمول به حالياً في الدستور اللبناني لعام 1990 ، حيث يملك رئيس الجمهورية هامشاً واسعاً من التأثير في مجال تشكيل الحكومة ، فهو على حد ما قاله حسن الرفاعي في هذا الخصوص له أن يتحفظ على ترشيح شخص ما لدخول الحكومة وإذا لم يفرض رأيه فرضاً يكون قد استقال طوعاً عن ممارسة صلاحياته (8) ، نظراً لأن تشكيل الحكومة من حيث المبدأ عهد به إلى رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء .
- الكاتبالمشاركات
- يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.